الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)} روحُ آدم- وإنْ كانت مخلوقة- فَلَها شَرَفٌ على الأرواح لإفرادها بالذكر، فلمَّا سوَّى خَلْقَ آدم، ورَكَّبَ فيه الروح جلَّلَه بأنوار التخصيص، فوقعَتْ هيبته على الملائكة، فسجدوا لأمره، وظهرَتْ لإبليسَ شقاوتهُ، ووقع- بامتناعه- في اللعنة.{قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75)} من هنا وقع في الغلط؛ تَوَهَّمَ أَنَّ التفضيل من حيث البنية والجوهرية، ولم يعلم أن التفضيلَ من حيث القسمة دون الخِلْقَة.ويقال ما أودع اللَّهُ- سبحانه- عند آدم لم يوجد عند غيره، ففيه ظهرت الخصوصية.{قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77)} قال فاخرج من الجنة، ومن الصورة التي كنت فيها، ومن الحالة التي كنتَ عليها، {فإِنَّكَ رَجِيمٌ} مَرْمِيٌّ باللَّعنِ مني، وبالشُّهب من السماء، وبالرجوم من قلوب الأولياء إنْ تَعَرَّضْتَ لهم.{قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79)} من كمال شقاوته أنه جرى على لسانه، وتعلَّقت إرادتُه بسؤال إنظاره، فازداد إلى القيامة في سبب عقوبته، فأَنْظَرَهُ اللَّهُ، وأجابه، لأنه بلسانه سأل تمامَ شقاوته.{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)} ولو عَرَفَ عِزَّتَه لَمَا أقسم بها على مخالفته.ويقال تجاسُرُه في مخاطبة الحقِّ- حيث أصَرَّ على الخلاف وأقسم عليه- أَقْبَحُ وأَوْلى في استحقاق اللعنة من امتناعه للسجود لآدم.قوله جلّ ذكره: {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقََّ أَقُولُ لأَمَلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}.وختم الله سبحانه السورة بخطابه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَآ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ إِنْ هُوَ إلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ}.ما جئتكم من حيث أنا، ولا باختياري، وإنما أُرْسِلْتُ إليكم.{إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} يعني القرآن، عظة لكم.{وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ} وعُلِمَ صِدْقُه بعد ما استمرت شريعتُه، فإن مثل ذلك إذا كان باطلًا لا يدوم. اهـ.
|